حين يطالع المرء صفحات من التاريخ الزاخر و الإبداعات اللامتناهية التي حققها العملاق المدريديّ سيقف مبهراً تقديراً و إعجاباً لما حققته أقدام من حملوا راية هذا الفريق الذي أجمع النقاد و المحللين كونه زعيم القارة الأوروبية كروياً ، فتلك الخزينة الممتلئة بالألقاب و التتويجات المحلية و الأوروبية و العالميّة تجعلك تجزم بعظمة هذا الفريق الذي جعل من حصد الألقاب عنواناً له طوال تاريخه المجيد ، فمن منا يستطيع نسيان ألبرتي و دي ستيفانو و خواكين نافارو و غيرهم ممّن خطوّا مسيرتهم بعبق الإبداع و التألق ؟ و من منا يستطيع إنكار أحقيّة البلانكو بذلك الكمّ الهائل من الألقاب و البطولات ؟ بل و أيّ فريق في العالم لا يخاف مواجهة ريال مدريد ؟
ريال مدريد ، و بعد سنوات ثلاث كانت مريرة على جميع من عشقوا ألوانه و عاهدوا أنفسهم بتشجيع هذا الفريق ، عاد من جديد ليثبت للجميع أن الكبير يمرض و لا يموت بتحقيقه للقب الثلاثين و الفوز بالدوري الإسباني إثر موسم عادت فيه الروح الإنتصاريّة التي كانت مفقودة منذ مدة ليست بالقصيرة عرف الفريق خلالها تخبطا و ململة على شتى المستويات لعلّ أبرزها القيادة الفنيّة التي شهدت تغييرات عديدة و تحويرات كثيرة ..
من المؤكد أن صفحة جديدة فتحت من أوسع الأبواب أمام العملاق المدريديّ بعد هذا التتويج الذي أضيف إلى خزينة الألقاب المرصعة بتسعة و عشرين درعاً لليغا سبق و أن أحرزهم الفريق لكن يبقى السؤال الذي سيطرحه كلّ مشجع و كلّ مناصر للريال هو هل سيستطيع الفريق بإدارته الحاليّة و بسياساته المتبعة المواصلة على نفس السياق الذي جاراه هذا الموسم ؟ أو بالأحرى هل سيعود مدريد الذي عرفه الجميع سابقاً ؟
ربما يكون الخوض في مسائل مستقبليّة صعب نسبياً إلاّ أنه و بعد شرب نخب الفوز و بعد الإحتفالات لا بدّ لرايمون كالديرون و إدارته النظر من جديد في خططهم الذي طالما أثارت ضجيج الأقلام الناقدة من جهة و الأفواه الحاقدة من جهة أخرى حيث أنه و من منطلق وجوب الحذر من الإفراط في الفرحة و البهجة ، رغم أنها من حقّ كلّ مدريديّ غابت البسمة على ملامح وجهه منذ آخر تتويج موسم 2002/2003 ، لا بدّ على كالدرون أن يفتح صفحة جديدة تطلّ على موسم قادم لن يكون سهلاً بكلّ تأكيد على المستوى المحليّ و الأوروبي ..
و لعلّ أولى الخطوات الأساسية للمواصلة على نفس الدرب و بخطىً ثابتة هي كيفية النجاح في الإنتدابات خلال فترة الإنتقالات الصيفية الحاليّة و التي يراهن على أهميتها الجميع ممّا لا شك فيه خاصة بعد تأكد رحيل أبرز نجوم الفريق روبرتو كارلوس و دايفيد بيكهام من جهة و الحرص الكبير للأندية المنافسة على غرار برشلونة و فالنسيا على القيام بإنتدابات من الحجم الثقيل من شأنها أن تساهم في تعثر مسيرة ريال مدريد الموسم القادم و تشدد صعوبة المنافسة عليه !
المتابع لآخر الأخبار المتناقلة عبر أشهر الصحف الإسبانية يتبيّن أن لغة الدولار و الصفقات الخياليّة لا تزار مهيمنة على تفكير إدارة النادي الملكيّ إذ تم التصريح منذ أيام قليلة مضت عن النية في التعاقد مع نجم وسط المنتخب البرازيليّ و ميلان الإيطالي كاكا مقابل 80 مليون يورو إضافة إلى راتب سنوي يقدر ب 12 مليون يورو و هو الأعلى في عالم كرة القدم ! طبعاً فإن سياسة إستقطاب النجوم مقابل أموال طائلة سبق و أن تم الإعتماد عليها منذ مواسم عديدة و لنا أن نتذكر الفريق منذ موسمين حين كان يضم كلّ من زيدان و رونالدو و لويس فيغو و بيكهام و غيرهم من الأسماء البارزة على الساحة الكروية العالمية .. لكن و رغم تواجد كل هؤلاء فإن ريال مدريد عجز طوال الثلاث سنوات الماضية عن تحقيق أيّ لقب محليّ أو خارجيّ و عرف خيبات كبيرة و نتائج أقل ما يقال عنها أنها متواضعة بل أن هذه السياسة في مناسبات عديدة أثبتت فشلا ذريعا لم يتقبله أيّ من مشجعي الفريق !
أتذكر دردشة إثر جلب دايفيد بيكهام مع أحد الأصدقاء العاشقين لبرشلونة حين قال لي بالحرف الواحد : " يبدو أن إدارة ريال مدريد تعتقد أن الظفر بالألقاب مرتبط بإستقطاب نجوم عالميين و بمبالغ طائلة .. و تأكد أن هذه السياسة ستثبت فشلاً ذريعاً إذا تواصل العمل بها !! " و قد أثبتت الأيام صحة كلام صديقي هذا و أثبت الفريق الذي عادت إليه روح المجموعة طوال هذا الموسم رغم غياب رونالدو و زيدان و لفترات طويلة بيكهام أنّ الإنتصارات لا تتوقف على بعض الأسماء المشعة بل على العمل الجماعيّ و مدى التناسق و الإنسجام بين اللاعبين .. فلماذا المواصلة و النسج على نفس المنوال السابق ؟ هكذا سيكون لسان حالّ كل متابعي ريال مدريد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب و مع ذلك يبدو أن رايمون كالديرون متشبث بمبادئ من سبقه !
حسب وجهة نظر وافق عليها أغلبية مشجعي الفريق فإن الحرص على إنتداب لاعبين في مراكز شاغرة بالفريق مع التأكيد على أن أهم شرط لهذه الإنتدابات يكون تلائم و توافق اللاعب مع المجموعة و تماشيه مع النسق السريع للفريق سيكون حلا مضمونا لتواصل التتويجات بدل الإتهمام بإنتدابات تعتمد على الأسماء لا ما تقدمه الأقدام !
من جهة أخرى ، فإن مواصلة الطاقم الفنيّ للفريق ضد يضمن ( رغم القيل و القال ) مواصلة الفريق بنفس النسق و بنفس الصورة التي أسعدت أبناء العاصمة المدريديّة خاصة و أن الإستمرارية تمثل معطىً يتوافق مع مفاهيم الإحتراف ففابيو كابيلو و رغم إقتناع الجميع بما لديه من عيوب و أخطاء قد تكون كثيرة في بعض الأحيان فإنه عاد بالفريق من مرحلة كان يبحر فيها زملاء راؤول في بحر يطغى على أجوائه الظلام الدامس ليعود ليرسم ملامح فريق جديد قادر على التتويج بالألقاب بعد فترة فراغ طويلة . كما لا يغيب عن أيّ متابع للريال أن المعرفة المعمقة لفابيو كابيلو بلاعبي الفريق لها شأن في مدى نجاح الفريق خاصة و أنه ملمّ بجميع ما يخصّ الفريق داخليا و خارجيا و منذ سنوات عديدة .
طبعاً ، فإن تتويج الريال باللقب رفقة كابيلو لن يمنع رايمون كالديرون و إدارته من إقالة المدرب و تعويضه بشخص آخر لكن سيطرح سؤال جديد سيسيل من الحبر الكثير و هو هوية المدرب الجديد للفريق في ظلّ إصرار المسؤولين بالفريق على الإكتفاء بالقول أن " بقاء كابيلو من عدمه قيد الدراسة .. " و هو الأمر الذي سيحيّر العديدين أيضاً !
لا شك و لا إختلاف أن جميع عشاق الفريق الملكي سيظلون يتذكرون يوم الأحد 17 يونيو 2007 الذي حمل لهم فرحة إنتظروها منذ مدة طويلة و هو تتويج مستحق كان نتيجة مجهودات تواصلت طيلة موسم كامل لذا على أصحاب القرار داخل أروقة البرنابيو الحرص على عدم التلاعب بمشاعر أنصار الفريق و عدم الوقوع في المحضور بتصرفات غبية قد تصدر عنهم في قادم الأيام .. بعد إحرازه اللقب الثلاثون .. هل سيعود مدريد إلى الجنون ؟